مدينة ثونِس-هيراكليون الغارقة: أسرار أقدم موانئ مصر القديمة تحت البحر

✍️ بقلم: ليلى سعيد

ثونِس-هيراكليون: المدينة المصرية الغارقة تحت البحر منذ أكثر من 1200 عام

تخيل أن هناك مدينة كاملة، بشوارعها ومعابدها وساحاتها وموانئها، ظلت مختفية عن أعين البشر لأكثر من 12 قرنًا. مدينة كانت يومًا ما قلب مصر النابض بالتجارة والدين والسياسة، ثم ابتلعتها مياه البحر فجأة، حتى اعتقد الكثيرون أنها لم تكن موجودة إلا في الأساطير. هذه ليست قصة خيالية ولا مشهدًا من فيلم، بل حقيقة تاريخية مدهشة. إنها ثونِس-هيراكليون، أو كما سماها المصريون القدماء "ثونِس" وسماها الإغريق "هيراكليون"، والتي كانت بوابة مصر إلى العالم قبل أن تُبنى مدينة الإسكندرية الشهيرة.

أين كانت تقع المدينة؟

تقع بقايا المدينة اليوم في خليج أبي قير، على بعد حوالي 7 كيلومترات من شواطئ الإسكندرية. في العصور القديمة، كانت المدينة مبنية عند مصب فرع كانوب من نهر النيل، وهو ممر مائي استراتيجي سمح لها بأن تكون نقطة التقاء التجارة العالمية من البحر المتوسط إلى قلب وادي النيل. هذا الموقع جعلها مركزًا حيويًا يربط بين الطرق البحرية والبرية، وكان من المستحيل تقريبًا أن تمر سفينة أجنبية إلى مصر دون المرور عبرها.

الدور التجاري والسياسي

قبل أن يضع الإسكندر الأكبر قدمه في مصر ويؤسس الإسكندرية عام 331 قبل الميلاد، كانت ثونِس-هيراكليون هي الميناء الرئيسي لمصر على البحر المتوسط. هنا كانت السفن القادمة من اليونان وفينيقيا وروما القديمة ترسو محملة بالزيوت والنبيذ والخشب والمعادن، لتفرغ حمولتها مقابل الحبوب المصرية، والذهب، والكتان، والمنتجات الفاخرة. وكانت السلطات المصرية تفرض ضرائب ورسوم جمركية على كل سفينة، مما جعل المدينة مصدرًا مهمًا للدخل القومي.

المكانة الدينية

لم تكن ثونِس-هيراكليون مجرد مركز تجاري، بل كانت قلبًا دينيًا نابضًا. فقد احتوت على معبد ضخم للإله آمون-جرِب، الذي كان يتمتع بمكانة مقدسة لدى الفراعنة. وتشير النصوص المصرية إلى أن الملوك الجدد كانوا يزورون هذا المعبد قبل تتويجهم، في طقس ديني يرمز إلى مباركة حكمهم من الآلهة. كما كانت المدينة مسرحًا للاحتفالات الدينية الكبرى، التي جذبت الحجاج من مختلف أنحاء العالم القديم.

المدينة في الأساطير

ارتبطت المدينة بالعديد من الأساطير. فالمؤرخ الإغريقي هيرودوت تحدث عنها في القرن الخامس قبل الميلاد، وروى أنها كانت المكان الذي زار فيه الإله الإغريقي هرقل مصر لأول مرة، ومن هنا جاء اسم "هيراكليون". كما نسجت حولها قصص عن كنوز غارقة وسفن محملة بالذهب والفضة اختفت في البحر. وظل البحارة في العصور الوسطى يحكون عن أضواء غريبة تظهر تحت الماء في هذه المنطقة، ربما كانت انعكاسات من أطلال المدينة.

الاختفاء الغامض

في القرن الثاني قبل الميلاد، تعرضت المنطقة لزلزال مدمر أدى إلى تصدع الأرض. تلاه حدوث ظاهرة التسييل الأرضي، وهي تحول التربة المشبعة بالمياه إلى مادة سائلة، مما أدى لانخساف المباني الثقيلة. ومع مرور الوقت ارتفع مستوى البحر وغمرت المياه المدينة بالكامل، حتى اختفت عن الأنظار وغمرها الطين والرمال.

محاولات البحث عن المدينة

على مدار القرون، حاول العديد من المستكشفين تحديد موقع ثونِس-هيراكليون، لكنهم فشلوا. بعض المؤرخين اعتبرها أسطورة، بينما تمسك آخرون بوجودها استنادًا إلى النصوص القديمة. حتى القرن العشرين، لم يكن لدى العلماء سوى إشارات غامضة من خرائط قديمة ووثائق تاريخية.

الاكتشاف المذهل عام 2000

في عام 2000، تمكن فريق بقيادة عالم الآثار الفرنسي فرانك جوديو من اكتشاف المدينة في خليج أبي قير، مستخدمين تقنيات متطورة مثل المسح الجيوفيزيائي والرادار تحت الماء. اكتشف الفريق أطلال مدينة كاملة على عمق نحو 10 أمتار تحت سطح البحر، مغطاة بطبقات من الطين.

كنوز المدينة الغارقة

تم العثور على تماثيل ضخمة يصل طول بعضها إلى 5 أمتار ووزنها عدة أطنان، ولوحات حجرية تحمل نصوصًا هيروغليفية، وأرصفة وموانئ حجرية، وسفن غارقة في حالة حفظ مذهلة، بعضها يحتوي على عملات برونزية وتمائم ذهبية.

أهمية الاكتشاف

أكد الاكتشاف على أن التجارة بين مصر واليونان كانت أكبر وأعقد مما كنا نعتقد، وأن المدن الساحلية المصرية كانت مزدهرة قبل ظهور الإسكندرية. كما أثبت أن بعض الأساطير القديمة كانت تحمل في طياتها حقائق تاريخية.

ثونِس-هيراكليون اليوم

اليوم، تُعرض القطع الأثرية المستخرجة في متاحف عالمية، وتستمر عمليات التنقيب. المعارض الدولية مثل "أوزيريس: أسرار مصر الغارقة" جلبت ملايين الزوار وأعادت إحياء قصة المدينة في الوعي العالمي.

وفي الختام

تذكرنا قصة ثونِس-هيراكليون أن البحر يخفي في أعماقه أسرارًا عظيمة، وأن المدن التي اختفت قد تعود يومًا لتخبرنا قصصها. ربما هناك مدن أخرى تنتظر أن يكشف عنها الزمن.

ثونِس هيراكليون المدينة الغارقة في مصر تاريخ مصر القديمة آثار تحت البحر المتوسط خليج أبي قير معبد الإله آمون فرانك جوديو الأساطير الإغريقية في مصر


🕰️ تاريخ | 👤 شخصيات تاريخية | 🧩 أسرار التاريخ | 🧠 نظريات مؤامرة
🌀 أحداث غامضة | 🏺 مصر القديمة | 🌍 أوروبا | ⚔️ الحروب
🎭 ثقافات | 🧙‍♂️ غرائب التاريخ | 🧭 حضارات منسية
📚 قصص حقيقية | 🌌 عالم غريب | 🏛️ أغرب قصص التاريخ | 🌟 عجائب

🌊 بحر الحكاية

📬 تواصل معنا | Contact Us

نرحّب بتفاعلكم واقتراحاتكم دائمًا. يمكنكم التواصل معنا من خلال صفحة اتصل بنا أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنا.

We always welcome your feedback and suggestions. Feel free to reach out via our Contact Us page or through our social media.

📤 شارك المقال مع أصدقائك:

WhatsApp Twitter Telegram
📌 تم النشر بواسطة بحر الحكاية – نروي لكم أعجب الحكايات من التاريخ والثقافات.

✍️ بقلم: ليلى سعيد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل نامت قرية كاملة 100 سنة؟ القصة الحقيقية التي أذهلت العالم!

كليوباترا لم تكن مصرية؟ اكتشف السر وراء أكبر خرافة تاريخية

البحيرة القاتلة : سر تحول الحيوانات إلى تماثيل حجرية